الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.وفاة الحاكم وولاية الظاهر. ثم توفي الحاكم بأمر الله منصور بن العزيز نزار قتيلا ببركة الحبش بمصر وكان يركب الحمار ويطوف بالليل ويخلو بدار في جبل المقطم للعبادة ويقال لاستنزال روحانية الكواكب فصعد ليلة من ليالي لثلاث بقين من شوال سنة إحدى عشرة ركب على عادته ومشى معه راكبان فردهما واحدا بعد آخر في تصاريف أموره ثم افتقد ولم يرجع وأقاموا أياما في انتظاره ثم خرج مظفر الصقلي والقاضي وبعض الخواص إلى الجبل فوجدوا حماره مقطوع اليدين واتبعوا أثره إلى بركة الحبش فوجدوا ثيابه مزررة وفيها عدة ضربات بالسكاكين فأيقنوا بقتله ويقال إن أخته بلغه أن الرجال يتناوبون بها فتوعدها فأرسلت إلى ابن دواس من قواد كتامة وكان يخاف الحاكم فأغرته بقتله وهونته عليه لما يرميه به الناس من سوء العقيدة فقد يهلك الناس ونهلك معه ووعدته بالمنزلة والاقطاع فبعث إليه رجلين فقتلاه في خلوته ولما أيقنوا بقتله اجتمعوا إلى أخته ست الملك فأحضرت علي بن دواس وأجلس علي بن الحاكم صبيا لم يناهز الحلم وبايع له الناس ولقب الظاهر لإعزاز دين الله ونفذت الكتب إلى البلاد بأخذ البيعة له ثم حضر ابن دواس من الغد وحضر معه القواد فأمرت ست الملك خادمها فعلاه بالسيف أمامهم حتى قتله وهو ينادي بثأر الحاكم فلم يختلف فيه اثنان وقامت بتدبير الدولة أربع سنين ثم ماتت وقام بتدبير الدولة الخادم معضاد وتافر بن الوزان وولي وزارته أبو القاسم علي بن أحمد الجرجراي وكان متغلبا على دولته وانتقض الشام خلال ذلك وتغلب صالح بن مرداس من بني كلاب على حلب وعاث بنو الجراح في نواحيه فبعث الظاهر سنة عشرين قائده الزريري والي فلسطين في العساكر وأوقع بصالح بن الجراح وقتل صالح وابنه وملك دمشق وملك حلب من يد شبل الدولة نصر بن صالح وقتله وكان بينه وبين بني الجراح قبل ذلك وهو بفلسطين حروب حتى هرب من الرملة إلى قيسارية فاعتصم بها وأخرب ابن الجراح الرملة وأحرقها وبعث السرايا فانتهت إلى العريش وخشي أهل بلبيس وأهل القرافة على أنفسهم فانتقلوا إلى مصر وزحف صالح بن مرداس في جموع العرب لحصار دمشق وعليها يومئذ ذو القرنين ناصر الدولة بن الحسين وبعث حسان بن الجراح إليهم بالمدد ثم صالحوا صالح بن مرداس وانتقل إلى حصار حلب وملكها من يد شعبان الكتامي وجردت العساكر من الشام مع الوزيري وكان ما تقدم وملك دمشق وأقام بها..وفاة الظاهر وولاية ابنه المستنصر. ثم توفي الظاهر لإعزاز دين الله أبو الحسن علي بن الحاكم منتصف شعبان سنة سبع وعشرين لست عشرة سنة من خلافته فولي ابنه أبو تميم معد ولقب المستنصر بأمر الله وقام بأمره وزير أبيه أبو القاسم علي بن أحمد الجرجراي وكان بدمشق الوزيري واسمه أقوش تكين وكانت البلاد صلحت على يديه لعدله ورفقه وضبطه وكان الوزير الجرجراي يحسده ويبغضه وكتب إليه بإبعاد كاتبه أبي سعيد فأنفذ إليه أنه يحمل الوزيري على الانتقاض فلم يجب الوزيري إلى ذلك واستوحش وجاء جماعة من الجند إلى مصر في بعض حاجاتهم فداخلهم الجرجراي في التوثب به ودس معهم بذلك إلى بقية الجند بدمشق فتعللوا عليه فخرج إلى بعلبك سنة ثلاث وثلاثين فمنعه عاملها من الدخول فسارإلى حماة فمنع أيضا فقوتل وهو خلال ذلك ينهب فاستدعى بعض أوليائه من كفرطاب فوصل إليه في ألفي رجل وسار إلى حلب فدخلها وتوفي بها في جمادى الآخرة من السنة وفسد بعده أمر الشام وطمع العرب في نواحيه وولى الجرجراي على دمشق الحسين بن حمدان فكان قصارى أمره منع الشام وملك حسان بن مفرج فلسطين وزحف معز الدولة بن صالح الكلابي إلى حلب فملك المدينة وامتنع عليه أصحاب القلعة وبعثوا إلى مصر للنجدة فلم ينجدهم فسلموا القلعة لمعز الدولة بن صالح فملكها..مسير العرب إلى أفريقية. كان المعز بن باديس قد انتقض دعوة العبييديين بأفريقية وخطب للقائم العباسي وقطع الخطبة للمستنصر العلوي سنة أربعين وأربعمائة فكتب إليه المستنصر يتهدده ثم إنه استوزر الحسين بن علي التازوري بعد الجرجراي ولم يكن في رتبته فخاطبه المعز دون ما كان يخاطب من قبله كان يقول في كتابه إليهم عبده ويقول في كتاب التازوري صنيعته فحقد ذلك وأغرى به المستنصر وأصلح بين رغبة ورياح من بطون هلال وبعثهم إلى أفريقية وملكهم كل ما يفتحونه وبعث إلى المعز: أما بعد فقد أرسلنا إليك خيولا وحملنا عليها رجالا فحولا ليقضي الله أمرا كان مفعولا فساروا إلى برقة فوجدوها خالية لأن المعز كان أباد أهلها من زنانة فاستوطن العرب برقة واحتقر المعز شأنهم واشترى العبيد واستكثر منهم حتى اجتمع له منهم ثلاثون ألفا وزحف بنو زغبة إلى طرابلس فملكوها سنة ست وأربعين وجازت رياح الأثبج وبنو عدي إلى أفريقية فأضرموها نارا ثم سار أمراؤهم إلى المعز وكبيرهم مؤنس بن يحيى من بني مرداس من زياد فأكرمهم المعز وأجزل لهم عطاياه فلم يغن شيئا وخرجوا إلى ما كانوا عليه من الفساد ونزل بأفريقية بلاء لم ينزل بها مثله فخرج إليهم المعز في جموعه من صنهاجة والسودان نحوا من ثلاثين ألفا والعرب في ثلاثة آلاف فهزموه وأثخنوا في صنهاجة بالقتل واستباحوهم ودخل المعز القيروان مهزوما ثم بيتهم يوم النحر وهم في الصلاة فهزموه أعظم من الأولى ثم سار إليهم بعد أن احتشد زناتة معه فانهزم ثالثة وقتل من عسكره نحو من ثلاثة آلاف ونزل العرب بمصلى القيروان ووالوا عليهم الهزائم وقتلت منهم أمم ثم أباح لهم المعز دخول القيروان للميرة فاستطالت عليهم العامة فقتلوا منهم خلقا وأدار المعز السور على القيروان سنة ست وأربعين ثم ملك مؤنس بن يحيى مدينة باجة سنة ست وأربعين وأمر المعز أهل القيروان بالانتقال إلى المهدية للتحصن بها وولى عليها ابنه تيما سنة خمس وأربعين ثم انتقل إليها سنة تسع وأربعين وانطلقت أيدي العرب على القيروان بالنهب والتخريب وعلى سائر الحصون والقرى كما يذكر في أخبارهم ثم كانت الخطبة للمستنصر ببغداد على يد البساسيري من مماليك بني بويه عند انقراض دولتهم واستيلاء السلجوقية كما نذكره في أخبارهم.
|